الإحسان سؤال: هل الإحسان هو صدقةٌ أو حسنةٌ يدفعها الإنسان الغنيُّ من ماله زكاةٍ أو صدقةٍ للمحتاج أم أنَّ له مفهوم أشمل وأعمّ؟ الدكتور محمد هداية: معنى الإحسان يتّضحُ لنا من خلال توقُّفِ سيدنا جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض له مراتب المراقبة وأقصد بالمراقبة إمّا مراقبة النفس للإنسان وإمّا مراقبة الحق تبارك وتعالى للإنسان والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة. فنحن عندنا مراتب في درجات تلقي الرسالة المحمدية كدين وديانة تبدأ بالإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى . فالإحسان ليس مُكَّمِلاً إنما هو مرتبةٌ، وحتى نفهم هذا جيدا سنسأل الأسئلة التالية : 1- ما هو الإسلام؟ 2- ما هو الإيمان؟ 3- ما هو الإحسان؟ الإسلام دينٌ لله تبارك وتعالى من عهد آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة ، فاليهودية ديانةٌ دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام ومن عظمة هذا الدين أنّه لما أراد المولى سبحانه وتعالى ان يَخْتَتِمَ الديانات في الأرض سَمَّى إسم الديانة الأخيرة بإسم الشرع العام ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) . (الشورى : من الاية 13) . إنّ الدين عند الله الإسلام يعني أنّ الشرع العام لكل الديانات هو الإسلام ، فجاء محمد بالإسلام دينا وديانة . يقول الرسول عليه السلام "بُنِيَ الإسلام على خمسٍ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان" في حديث الرسول عليه السلام "عن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن جلوس عند رسول الله إذْ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب,شديد سواد الشعر,لا يُرَى عليه أثر السفر و لا يعرفه منّا أحد فجلس الى النبي فأسند ركبتيه الى ركبتيه,ووضع كفيه على فخذيه ثم قال:يا محمد أخبرني عن الاسلام , فقال النبي :الاسلام هو أن تشهد أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله, و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت ان استطعت اليه سبيلا , قال:صدقت , فعجبنا له يسأله و يصدقه , قال:فأخبرني عن الايمان , قال:الايمان هو أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بالقدر خيره و شره ,قال:صدقت,قال:فأخبرني عن الاحسان , قال:الاحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك , قال:فأخبرني عن الساعة , قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل , قال : فأخبرني بأماراتها , قال:أن تلد الامة ربتها و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان .ثم أنطلق فلبث مليا ثم قال:أتدرون من السائل , قلت:الله و رسوله أعلم ,قال:هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمور دينكم " سيدنا جبريل يسأله ما الإيمان وإجابة الرسول تعني أن المسلم الذي لم يؤمن بموسى أو بعيسى أو بنوح كرسل من عند الله لا يكون قد أسلم (والمؤمنون كل آمن بالله بالله وملائكته وكتبه ورسله) "قال: فأخبرني عن الاحسان , قال:الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك" وهذه هي المراقبة (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) فالملائكة الكتبة يعلمون ما يفعل العبد لكن ما هو بداخل العبد فلا شأن لهم فيه (وإنّ عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون) يعلمون في الظاهر فقط . إنّما المولى جلّ شأنه قال عن نفسه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وقال ايضاً (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد) تعبد الله كانك تراه يعني: من الذي قال لك (وبالوالدين إحسانا) ؟ من الذي قال لك أحسن إلى الفقير؟ من الذي قال لك أكرم الجار ؟ عبادة الله تتمثل في هذا كله ،أي في أن تُحْسن أنْ تعبد الله كأنك تراه لتخافَهُ. لنأْخُذْ مثالاً لذلك: هل كان السارق ليدخل البيت الذي سيسرقه لو علم أنّ في البيت أحد؟ الإجابة ستكون قطعا أنه لن يدخل . نفس الشيء لو أنا وصلتُ بعقيدتي أنّ الله مطّلعٌ عليَّ في كل أعمالي، لن أفعل شيئا سيغضبه جلّ وعلا ، إنّما الشيطان يُنسِي الإنسان أنّ الله مطّلعٌ عليه آناء اليل وأطراف النهار. والأحاديث كثيرة في هذا المجال كذاك الذي أراد أن يزني بامرأة فقالت غلّق الأبواب ففعل وقال لن يرانا أحد فقالت الله يرانا ، عندها رجع إلى الله. فالإنسان لو أنّه صاحٍ بضمير المراقبة من نفسه على نفسه أو من الله على نفسه ، لو استحضر عظمة الله كأنه يراه آناء الليل وأطراف النهار لا يمكن أن يعمل معصيةً. الصيام مثلا وهو من أعلى صنوف المراقبة لماذا يقول فيه المولى سبحانه "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلاّ الصيام فانه لي وأنا أجزي به" ؟ الاجابة : لأنه الوحيد سبحانه المُطّلع على صِحَّة صيام العبد. سؤال : كيف نطبق الإحسان في معاملاتنا؟ الدكتور محمد هداية: قلنا ثمة: إسلام-إيمان-إحسان-إسلام الوجه لله تبارك وتعالى، وهذا الإسلام لا يأتي إلا بعد الإحسان والإحسان لا يأتي إلا بعد الإيمان والإيمان لا يأتي إلا بعد الإسلام. أقول هذا الكلام لأبيّن أنَّ الإحسان ليس من مراتب الإيمان وإنما من مراتب المراقبة يعني أنّه ليس درجة إيمان وإنما هو تطبيق الإيمان . الإسلام هو الرسالة وهو الشرع العام للديانات والإيمان هو تطبيق الإسلام. فالأركان الخمسة للإسلام ليست هي الإسلام بدليل أنّ الحديث يقول" بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان" ما افهمه من الحديث أنّ الإسلام غير هذه الأركان الخمسة لأنّه كان يقدر أن يقول الإسلام خمس لكنه قال "بُنيَ الإسلام على خمس" إنْ أنا طبقت القواعد الخمس أصبحت مسلما لله إسلام العقيدة أو إسلام الرسالة. التطبيق العملي لما جاء به محمد في القرآن (افعل كذا ولا تفعل كذا، انته عن كذا ،اعمل كذا ) هو الإيمان، فالإيمان هو تطبيق الإسلام. أما الإحسان فهو تطبيق الإيمان، ففي القرآن يقول المولى عزّ وجلّ (وبالوالدين إحسانا) فإن أنا أحسنت يعني أنّي طبَّقْتُ إيماني وإنْ لم أُحْسِنْ يَعْني أنّي رَجَعْتُ بدرجةٍ ونزلت من الإحسان إلى الإيمان إلى الإسلام، فمن لم يحسن إلى والديه خسر الدنيا والآخرة وضيّع نفسه ولذلك الحديث يقول "رغمت انف من أدرك والديه ولم يغفرا له" فبلوغ الوالدين سنّ الكبر عند المسلم ابتلاء وفرصة لا يجب أن يُضَيِّعها المرء وهو قادر أن ينجح في هذا الابتلاء بمنتهى البساطة في حين يكون الذي لم ينجح قد ضَيَّعَ على نفسه الفرصة. صعد الرسول عليه السلام المنبر وأمر الصحابة بالاقتراب وقال آمين في الدرجة الأولى وآمين في الدرجة الثانية وآمين في الدرجة الثالثة ثم جلس وخطب في الناس وبعد ان انتهى قال :أوَتدرون على ما أمّنتُ؟ جاءني جبريل وقال رَغُمَتْ أنف(وجاءت بَعُدَتْ انف في رواية اخرى) من أدركه رمضان ولم يدخله الجنة فقلت آمين (وآمين اسم فعل أمر بمعنى استجب) رغمت أنف من أدرك والديه ولم يغفرا له قلت آمين قال جبريل رغمت أنف من ذُكِرْتَ عنده يا محمد ولم يصلّ عليك قلت آمين. ثلاث فرص للمسلمين ليدخلوا الجنة من أوسع الأبواب: رمضان والوالدين وذكر رسول الله والصلاة عليه. فالإحسان إذًا هو تطبيق الإيمان ولنأخذ بالنا لنداءٍ في القرآن في منتهى الجمال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا وانتم مسلمون ) وفي آيات أخرى ( يا أيها الذين |آمنوا آمنوا بالله ورسوله) كأنّ الإيمان محتاج تطبيقا (يا أيها الذين آمنوا لا تموتن إلاّ وانتم مسلمون) فبعضنا يعتقد أنّ الإيمان أعلى مراتب المراقبة وهذا الفهم غير صحيح لأنّ أعلى مراتب المراقبة بعد إسلام العقيدة والإيمان والإحسان هو إسلام الوجه لله تبارك وتعالى بدليل الآية (ولا تموتن إلاّ وانتم مسلمون) فكيف يكون ذلك؟ يكون ذلك بالإسلام والانقياد والانصياع لوجه الله تبارك وتعالى وهذه من أعلى مراتب المراقبة ،فحالتي وأنا خارج من بيتي وأنا ذاهب إلى شغلي وأنا عائد منه كلي يقين في "باسم الله ، توكلت على الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، حسبنا الله ونعم الوكيل" فالإحسان درجة تصل بك إلى إسلام الوجه الذي هو أعلى مراتب المراقبة. سؤال: يقول المولى جل وعلا (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وكل أعضاء الجسم تخاطب اللسان وتقول "أحسن إلينا واتق الله فينا ولا تدخلنا النار" لذلك نريد أن نبيّن كيف أنّ الإحسان مرتبط بنمط حياة الإنسان؟ الدكتور محمد هداية: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار ؟ قال - لقد جئت تسأل عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت , ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا - تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ - ]السجدة16-17]... ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟-قلت : بلى , يا رسول الله قال " رأسٍ الإسلام , وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد " ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " فقلت بلى يا رسول الله , فأخذ بلساني وقال -كف عليك هذا-فقلت : يانبي الله , و إنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال- ثكلتك أمك , وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال - على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! -رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . ما نفهمه من إستفسار سيدنا معاذ عندما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم"كف عليك هذا" أنّ اللسان آفة الجسم أو نتاج عمل الجسم، فيسأله سيدنا معاذ "و إنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال- ثكلتك أمك , وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال - على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ يعني أنّ هذه مسألة المفروض أنها لا تغيب عن إنسان وأنّ كل ما يتلفظ به سيحاسب عليه، فإذا وجدت أقواما في النار كالنمامين والمتكلمين في الأعراض والمشائين بالنميمة بين الناس فاعلم أن اللسان هو سبب وجودهم في ذلك المكان. لذلك علينا أن نعمل أن لا يكون لساننا سبباً في أن نُكب على وجوهنا في النار . وشهر رمضان تدريب لنا إلى بقية العام ، إن أمسكتُ نفسي فيه عن الحلال فالأَوْلَى أن أُمسك بعده عن الحرام و إلاّ وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" والإجابة على سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟" نقول صدقت يا رسول الله نحن نعي تماما هذا الذي بين فَكَّيْنَا (اللسان) ، نسأل الله العليَّ العظيم أن يَقِيَنَا شرّ ألسنتنا